بين القبيلة والحق


كم يطرب الزوج حين يسمع من زوجه كلمة أحبك ، كم يأنس الوالد حين يسمع من ولده "بابا أنا أحبك " فكيف بحب رب الأرباب وخالق الأرض والسماوات ، والذي إذا أحب أدخل الجنة !   فكما أن الحب قيمة إنسانية يشترك فيها الشرقي والغربي ، الاحمر والأصفر ، المسلم والكافر  ، كذلك الاحترام والحق والعدل؛ كل هذه القيم لا تتغير بتغر الزمان والمكان ولا الثقافة ولا العلم . لكن ممارستها تزيد وتنقص بمستوى التحضر أو التخلف للأفراد .


كم هو رائع قول الله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( المائدة 41)
... فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الحجرات 9)
هنا قيمتان إنسانيتان :  الحب والقسط أي العدل ، فمن في الدنيا لا يحتاجهما ؟ وهل تستقيم الحياة ويهنأ العيش بدونهما ؟ كلا والله . ألم تسمعوا أو تقرأوا بأن المجرم الفلاني الذي أزهق النفوس وروع الآمنين ودخل السجن كان قد فقد الحب والحنان في صغره ؟ !
العدل أساس الملك . العدل قوام الحرية . العدل توأم الاستقرار .  العدل هو الإطار  أو البرواز  الذي يحمي الحقوق  ويصونها . إذا فقد العدل فقدت معه مصالح كثيرة  ؛ فلا أمان بلا عدل ولا استثمار  بلا أمان .
وليس العدل مع من نحب ونوالي فقط ؟!  إنما ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِين ... (النساء 135)
ومنتهى التقدير لهذه القيمة الآدمية والاحتكام إلى المبدء الأصيل هو قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " (المائد 8 )
فالمطلوب هو الانصاف المجرد من الهوى و من حظ النفس والرجوع إلى هذه القيمة حتى مع الأعداء ومع من نبغضهم بغضا شديدا .
فيا أحبتي جاء في الحديث: "إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سَفْسافها" . (تفسير ابن كثير - (ج 4 / ص 596  رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق)
هل تعرفون بأن معظم الثورات والجبهات التي قامت في تشاد ولم تفلح في توحيد الصف ولم تقم لها قائمة ، ولم يكن لها امتداد جماهيري في الشرق والغرب وبين جميع مكونات الشعب ؛ كانت ثورات ذات نزعات جهوية وإقليمية وكانت نظرتها قبلية ، وكانت تنتصر للإقليم والقبيلة أو المصلحة الخاصة  ؟!
كيف للنضال ضد الطغيان والفساد والاستبداد أن يكون تسفيها وتجريحا وتقزيما للآخرين  وسبا لانتماءاتهم وعوائلهم وتشرزما وانتصارا للذات دون القيم والمبادئ ؟؟
إن القبيلة جزء من كيان الإنسان وانتمائه ومكوناته ولا أحد يتنكر لها او يلغيها ، بل هي العاقلة التي تحمي دمه وتديي عنه إن قتل ، وتحجر على ماله إن كان سفيها ، وهي مصدر الصلة وهي الأولى بالمعروف . غير أنه ليس بها يعادي المرأ  ويوالي ولا بها يخاصم ويفجر  على حساب الحق والعدل والمساواة . فالتعصب للقبيلة لا لشئ إلا لأنها قبيلته كما قال الشاعر وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد ، هذا التعصب مذموم  ولا يفضي إلا إلى شرّ .  
إن بلدكم بحاجة إلى بناء النفوس والعقول قبل الدعوة إلى بناء الحجر  والمؤسسات . بالله ربكم هل يكتب لهذا التناحر والتنابذ بالألقاب انتصار  على الظلم والفساد  ؟ ألم تقرؤا قوله تعالى : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ؟؟؟ .
يا شباب المستقبل وعدته  يا من تفتّحت عيونكم واتسعت مدارككم على الفضاءات الواسعة ، اتحدوا وانطلقوا من القيم المشتركة التي يدعو إليها الناس كافة وتخلوا عن سفاسف الأمور وترفعوا عن الصغائر  واطلبوا المعالي يكن لكم شأن عظيم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق