حكم فرانسوا تومبلباي بعد خروج المسعمر من عام 1960- 1975 وأثناء فترة حكمه قامت الثورة المسلحة في الوسط والشمال المسلم وكانت أهدافها مشروعة في حينها ثم انضم إليها أناس أعتبروا عملاء ودخلاء فسرقوها وحرفوا أهدافها ، استمرت الثورة هنيئة ثم قتل مؤسسها إبراهيم أبتشة وكذلك محمد الباقلاني إنقسمت الثورة وظلت تحارب في جبهات عدة لوقت طويل.
قام انقلاب عسكري عام 1975م من قبل الجنرال فيليكس مالوم وأطاح بالرئيس تومبلباي وحكم البلاد لمدة 4 سنين حتى 1979م ، ثم جاء حسين هبري إلى الحكم ولم تستقر الأوضاع ، قتل الشماليون في الجنوب من قبل الجنوبيين بسبب انتمائهم ولأن رئيس الوزراء آنذاك الذي يحارب في العاصمة هو شمالي .
تقاتل حسين هبري مع غريمه جوكوني ،فخرج مغاضبا ثم رجع منتصرا على جوكوني فحكم لمدة 8 سنوات تخللتها حرب مع ليبيا والثورة المسلحة في الشرق وعاش الشعب في فترة رعب من ال دي.دي.إس ونقص الرواتب والمجهود الحربي .
ثار إدريس ديبي على حسين هبري ثم رجع منتصرا بعد فترة وجيزة ؛ حكم لمدة تزيد على 15 عاما كلها قضاها في صراع وفي كرّ وفرّ مع الثورة المسلحة .
بدء شئ من الهدوء ومن السلم يغشى البلد وبدأنا نلتقط شيئا من انفاسنا . هل فترة حكم إدريس ديبي هي المبتغى وهي من خير القرون ؟ هل نحن راضون تمام الرضا عما هو واقع في البلد من التخلف والفساد ؟ لا أظن احدا يجيب بنعم إلا إن كان مكابرا معاندا يريد أن يغطي الشمس بغربال . هذا السرد التاريخي الموجز هو للعظة والاستفادة من التاريخ .
فيا إخوتي وأحبائي كم سنة وعاما من الدمار وهدر الأموال وإزهاق الأرواح تريدون ؟ ألا تجربون أسلوبا حضاريا جديدا ؟ ألا يكفينا تشردا وضياعا في بلاد الناس ؟ كم من التشاديين الذين تشردوا في ليبيا والذين ذاقوا ويلات من عذاب الثورة الليبية واتهموا بانهم مرتزقة ؛ أولائك نزحوا إلى ليبيا جراء الحرب بين التشاديين إبّان حكم حسين هبري ولم يرجعوا إلى بلادهم . وكم مثلهم في بينين وكم مثلهم في نيجيريا وكم مثلهم في بلاد الدنيا ؟
أتمنى من كل قلبي ألا نتحدث عن التغيير العنيف . وأنتم أيها الشباب الواعي والمتعلم ، يا أبناء جيل الفضاء المفتوح وجيل الثورة المعلوماتية ، تخلوا عن الأساليب البالية التي تدمّر وتقتل وتسفك . كم منكم جرّب حياة المخيمات في كسري بالكاميرون وميدوغوري بنيجيريا ؟ كم منكم اصطفّ في الطابور ليأخذ صاعا أو صاعين من "السيمول" أو الدقيق أو الرز ؟ كم منكم انتظر طويلا في الصف ليسجل اسمه ليستلم خيمة تؤويه وأهله ؟ كم منكم خرج من سار أو مندو أو كمرا حافيا متجها إلى انجمينا ويقول رب سلّم سلّم ؟
أولائك الذين حملوا السلاح في فترة مضت جربوا أساليبهم ، فهل نتعظ بالتجارب الفاشلة ؟ وقديما قالوا : من يجرب المجرّب فإن عقله مخرب"
أنا من دعاة التغيير ، تغيير البشر والذي هو غير تغيير الحجر والمدر ، فإن تغيير البشر يحتاج إلى صبر واصطبار ، تغيير البشر يحتاج إلى خطط وأهداف واضحة وأساليب فاعلة وإقناع للقعول والأفئدة قبل الأبدان . فإن بإمكانك ان تغير معالم جدار بيتك في لحظات وبإمكانك الهدّ والهدم في ثوان ، ولكنك هنا تتكلم عن تغيير طباع الناس وثقافتهم وعلمهم واجتماعياتهم ، وأخلاقهم . كيف تريد تغيير الرّذيلة إلى الفضيلة في يوم أو يومين ، كيف تريد تغيير الناس من العمل للمصلحة الفردية إلى االعمل للمصلحة العامة ؟
كيف تريد تغيير الفساد المالي والإداري الذي سرى في المجتمع كالسرطان بين عشية وضحاها ، هل حمل السلاح والخروج في الأدغال والامتثال لشروط الداعمين من السودنيين والليبيين هو النضال الوحيد الذي لا بديل عنه ؟ أنا من أنصار التغيير للأفضل . التغيير الذي يراعي حفظ النفس والمال والممتلكات العامة ، التغيير الذي يبني ولا يهدم ، التغيير الذي يقرب ولا يبعد ، التغيير الذي يشارك ولا يقصي .. التغيير الذي يبدأ من حيث انتهى الآخرون ، التغيير الذي لا ينسف الماضي ويتنكر له تماما ، بل يبني على المفيد منه .
أخي الفاضل إبن وازرع وعلّم وثقّف وساهم بكل فكر سليم نيّر وادع بالحكمة والموعظة الحسنة ، الدعوة إلى التغيير العنيف حيلة ينبغي أن يتجاوزها الزمن . فلقد وعى الناس وانكشفت لهم ألاعيب الساسة الفاسدين ، الذين تلطخت أيديهم بسرقة المال العام وإن أرادوا أن يلتف حولهم الشباب من جديد .
أنت اليوم في فضاء يسمعك فيه القريب والبعيد المؤيد والمعارض ، فقدم للناس طرحا بديلا بعيدا عن التشنج والتعجل غير المدروس ، تذكر دائما أن الصوت الهادئ مسموع ومفهوم وأن الصوت العالي مزعج ومتروك . وأن من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه
فلا تستهينوا بالفيس بوك كوسيلة فعالة للتغيير . فيا من تستهين بالفيس بوك ؛ إعلم أن الفيس بوك خصم شرس بقفزات ناعمة ، الفيس بوك كالماء المتدفق المتسلل الذي يقتلع الحصون ويزيل السدود ، الفيس بوك خلع من مبارك وأبنائه الذين كانوا يستهزؤون به ، خلع منهم بدلاتهم الحريرية وألبسهم بدلات بيضاء رخيصة ووضعهم خلف القضبان . الفيس بوك جعل زين العابدين يفهم شعبه ثم يختفي عن الأنظار . الفيس بوك وسيلة حضارية راقية تقارع المخالفين بالحجة ولا تلجأ إلى وضع السم للخصوم فتمحوهم عن الوجود .
صوت الفيس بوك هادئ خافت بل يكاد يكون همسا في الآذان فتستجيب له العقول وليس صراخا يغطي الإفلاس المنطقي ودلالة عجز وقلة بضاعة من الحجج والبراهين . حذار من الفيس بوك ، فإن الذين لجأوا إليه استخدموا سلاحا ماضيا يكشف ستر الزيف ، ويعري ستر من تدثروا بالكذب والفساد ، بالفيس بوك تتوحد الكلمة وتتوحد الرؤية والشعار وتتوحد المطالب وتحدد بدقة .
الفيس بوك يستخدم الشبكة العنكبوتية التي تلف بخيوطها الحريرية الضحايا الذين لن يكون لهم فكاك من قبضتها .
أقول لكل من يستهين بالفيس بوك أنت واهم ، فإن المحاربين القدامى كانوا يرسلون رسائلهم عبر الحمام الزاجل تحريا للسرعة والدقة ، أما اليوم فإن رسائل المفسبكين تصل إلى غرف النوم والهواتف المحمولة والمقاهي والمكاتب بل تصل إلى كل مكان فيه الشبكة العنكبوتية .
والوسائل السلمية كثيرة تتدرج من إضراب النقابات والجمعيات والاحتجاجات إلى العصيان المدني الذي يحتاج إلى نفس طويل .
هل بالضرورة أن كل من يدعو إلى التغيير السلمي مندس أو خفاش ليل ؟ لا شك أن من يعتقد ذلك قد ظلم ظلما كبيرا .
يجب أن نفرق هنا بين الولاء للوطن والولاء للنظام . فالولاء للوطن يقتضي النظر إلى المصلحة العليا من جميع الزوايا وتغليبها على المفسدة . الولاء للوطن يوجب الحفاظ على أمنه واستقراره وغير ذلك مما من شأنه رفاهية وتقدم الوطن . بينما مصلحة النظام أحيانا تكون مصلحة حزبية قاصرة على نظرة ضيقة ، مصلحة النظام قد تدفع المنتفعين إلى سلوك مسالك غير مشروعة للبقاء والاستمرار .
الحكمة تقول : إن استطعت أن تأخذ حقك بسلام فلا تستخدم العنف ، والحكمة تقتضي أن نستفيد من دروس التاريخ القريب والبعيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق